نوفمبر يعيد الزخم لقناة السويس.. عودة "ميرسك" و14 تخفيضًا يمهّدان لمرحلة تعافٍ قوي

شهد نوفمبر/تشرين الثاني 2025 تحولاً لافتاً في مسار قناة السويس، مع عودة الاستقرار إلى البحر الأحمر عقب توقف هجمات الحوثيين، وتسجيل مؤشرات متسارعة لتعافي حركة العبور والإيرادات. ويأتي ذلك بالتوازي مع إعلان عودة الخط الملاحي "ميرسك" للمرور بالقناة، وإطلاق "الهيئة" حزمة واسعة من التخفيضات، بلغت نحو 14 تخفيضاً خلال الشهر، في خطوة تستهدف استعادة معدلات ما قبل أزمة حرب غزة وجذب مزيد من الخطوط الملاحية العالمية.

وأعلنت "هيئة القناة" في 17 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، بحسب بيانات اطلعت عليها "العربية Business"، عن 13 منشوراً ملاحياً يحمل تخفيضات مباشرة على عدد كبير من أنواع السفن المارة، بالإضافة إلى منشور مُنظِّم لتكلفة الرسوم مقابل رسو ومكوث السفن التي تقوم بأعمال لوجستية في مناطق المخطاف بالقطاع الجنوبي والتي تراوحت بين 5 سنتات أميركية و30 سنتاً لكل طن في اليوم الواحد حسب الحمولة.

قفزة اقتصادية في مصر لأول مرة منذ 3 سنوات.. نمو فصلي 5.3%

وقررت "الهيئة" مد العمل بـ 13 تخفيضاً حتى 30 يونيو/حزيران 2026، منها التخفيض الممنوح لسفن البضائع الصب الجافة، وناقلات الغاز الطبيعي المسال، وناقلات البترول الخام، وناقلات المشتقات البترولية، وسفن الحاويات وحاملات السيارات وذلك لوجهات متعددة بين الموانئ العالمية.

توقف هجمات الحوثيين يغير قواعد اللعبة

في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن الحوثيون في اليمن إيقاف هجماتهم على إسرائيل وعلى السفن في البحر الأحمر، وذلك في رسالة لـ"حركة حماس". وتوقفت هجمات الحوثيين على السفن منذ بدء وقف إطلاق النار بغزة في 10 أكتوبر/تشرين الأول، ومنذ ذلك الوقت توالت البيانات الإيجابية عن تعافي مؤشرات عبور السفن وإيرادات "قناة السويس".

وكانت العديد من شركات الشحن العالمية تتجنب البحر الأحمر بسبب هجمات الحوثيين، بما في ذلك "كوسكو"، "هاباغ لويد"، "يانغ مينغ"، "سي إم إيه-سي جي إم"، "إيفرغرين"، وشركات ناقلات النفط مثل "يوروناف" و"فرونت لاين"، حيث أعادت توجيه سفنها حول رأس الرجاء الصالح. وتتبع الشركات هذا المسار كإجراء احترازي لأسباب أمنية.

وفي أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قال وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، خلال افتتاح "منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين" إن خسائر مصر بلغت أكثر من 9 مليار دولار خلال عام واحد نتيجة الانخفاض الحاد في واردات وعائدات الملاحة عبر "قناة السويس".

تجاوز مرحلة الانكماش وعودة حاسمة لـ"ميرسك"

وكشفت "وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية" يوم الخميس عن تعافي مؤشرات الاقتصاد المصري خلال الربع الأول من العام المالي الجاري بنمو بلغ 5.3% للمرة الأولى منذ أكثر من 3 أعوام، مشيرة إلى تجاوز "هيئة قناة السويس" أحد الروافد الهامة للدخل القومي حالة الانكماش حيث حققت نمواً 8.6% للمرة الأولى منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، بدعم من عودة الاستقرار إلى منطقة البحر الأحمر.

وأعلن رئيس "هيئة قناة السويس" الفريق أسامة ربيع الثلاثاء الماضي، توقيع اتفاقية مع شركة "ميرسك" العالمية للخطوط الملاحية تقضي بالعودة الكاملة لأسطول الشركة للعبور من القناة مجدداً، وذلك بعد أكثر من عامين من الاضطرابات التي حوّلت حركة الملاحة بعيداً عن مسار البحر الأحمر.

وأضاف ربيع أن هناك مباحثات متقدمة مع شركات ملاحة عالمية أخرى للعودة إلى "قناة السويس" في الفترة القصيرة المقبلة، مؤكداً أن الأزمة خلال العامين الماضيين أثبتت قدرة القناة على الصمود رغم تراجع الإيرادات. وتوقع تحقيق إيرادات تبلغ 4.1 مليار دولار خلال العام الحالي، على أن يكون التحسن الأكبر في عام 2026، مشدداً على جاهزية القناة الكاملة لاستقبال السفن وعودة الخدمات إلى طبيعتها.

وكشف الفريق أسامة ربيع عن ارتفاع حركة الملاحة في "قناة السويس" خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول، حيث بلغ عدد السفن العابرة 1136 سفينة، فيما ارتفعت الحمولات بنسبة 16%، وزاد العائد بالدولار بنسبة 15%. وأوضح أنه خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني ارتفعت أعداد السفن بنسبة 15%، والحمولات بنسبة 26%، بينما سجل العائد بالدولار نمواً بنسبة 27%.

عملة افتراضية.. رسوم قناة السويس المصرية ليست بالدولار

من جانبه، قال رئيس شركة "ميرسك" إن التقدم في عملية السلام في غزة شجع على عودة حرية التجارة العالمية التي تعرضت للتهديد خلال العامين الماضيين، مؤكداً أن "قناة السويس" تُعد الممر الملاحي المفضل لربط الأسواق.

وكان رئيس "الهيئة" قد اجتمع مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، مع ممثلي 20 جهة من الخطوط والتوكيلات الملاحية لبحث تطورات الأوضاع في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، ووجه الدعوة لكافة الخطوط الملاحية لتنفيذ رحلات تجريبية لسفن الحاويات التابعة لها للعبور من "قناة السويس".

توقعات الإيرادات خلال 2026

من جانبه، قال رئيس وحدة البحوث بشركة "عربية أونلاين"، مصطفى شفيع، إن هناك تأثيراً إيجابياً بالفعل على إيرادات القناة بسبب حالة الاستقرار النسبي التي شهدها البحر الأحمر مؤخراً، متوقعاً استعادة ما بين 60% إلى 70% من الإيرادات خلال عام 2026.

واتفق معه الخبير الاقتصادي محمد أنيس، الذي توقع أن تصل التدفقات من القناة إلى حدود 6-7 مليارات دولار العام المقبل حال استمرار حالة الهدوء الجيوسياسي، على أن ترتفع تدريجياً إلى 9-10 مليارات دولار بحلول 2027، خاصة مع عودة الشركات الكبرى مثل "ميرسك" و"CMA".

وقالت كبيرة محللي الاقتصاد الكلي بشركة "سي آي كابيتال"، سارة سعادة، إن وقف هجمات الحوثيين على البحر الأحمر يمثل خطوة بالغة الأهمية في طريق عودة الملاحة بمعدلاتها السابقة عبر "قناة السويس". وأضافت سارة سعادة لـ"العربية Business" أن عودة الملاحة يتوقف أيضاً على استئناف شركات التأمين الكبرى عملياتها التأمينية على السفن العابرة من خلال البحر الأحمر، متوقعة حدوث ذلك على المدى القريب.

وفي إشارة إلى تفاؤل رسمي بتحسن العائدات المستقبلية للممر الملاحي الأهم عالمياً، رفع "البنك المركزي المصري" توقعاته لإيرادات "قناة السويس" خلال الاثني عشر شهراً الممتدة من أكتوبر/تشرين الأول 2025 حتى سبتمبر/أيلول 2026 إلى 4.56 مليار دولار، مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 3.8 مليار دولار للفترة من سبتمبر/أيلول 2025 وحتى أكتوبر/تشرين الأول 2026.

ميزة إضافية تدعم الإيرادات

رئيس وحدة البحوث بشركة "الأهلي فاروس" لتداول الأوراق المالية، هاني جنينة، قال إن انخفاض سعر صرف الدولار الأميركي كان له دور إيجابي على إيرادات "قناة السويس"، موضحاً أنه منذ مطلع عام 2024 وحتى منتصف 2025 تراوح سعر صرف وحدة الـSDR (سلة العملات التي تعتمدها "قناة السويس" لاحتساب الرسوم) عند نحو 1.32 دولار، لكنه ارتفع مؤخراً إلى 1.42 دولار، أي بزيادة تقارب 7.5%، وهو ما يمنح "الهيئة" هامشاً إضافياً لتعويض التخفيضات المقدمة للسفن لتشجيع العودة بعد فترة من التراجع في حركة الملاحة.

وأكد أن تعافي عدد السفن المارة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2025 يتزامن مع هذا الارتفاع في قيمة العملة المستخدمة للتحصيل، ما يشكل عاملاً مزدوجاً في دعم الإيرادات. وتوقع أن يتراجع الدولار عالمياً بنسبة تتراوح بين 5% إلى 10% خلال العام المقبل، وهو ما سينعكس على ارتفاع قيمة الإيرادات بنفس النسبة حال ثبات معدلات عبور السفن عند مستوياتها الحالية.

رسوم رأس الرجاء الصالح قد تبطئ العودة

من جانبه قال رئيس شركة "Zenith Enterprise" عمرو قطايا، إن تأخر الشركات الملاحية في العودة للعبور عبر البحر الأحمر لا يرتبط فقط بالمخاوف الأمنية، بل يعود أيضاً إلى تحقيق بعض الشركات أرباحاً مرتفعة من الرسوم الإضافية المفروضة على الشحنات التي تمر عبر رأس الرجاء الصالح. وأوضح قطايا في مقابلة مع "العربية Business" أن جزءاً من هذا التأخير يتعلق بوجود مساهمين إسرائيليين في بعض الشركات الملاحية، ما يجعل القرارات التشغيلية أكثر تعقيداً من مجرد التعامل مع تهديدات الحوثيين.

وأشار قطايا إلى أن شركات الشحن العالمية أجرت مباحثات موسعة مع "هيئة قناة السويس"، التي قدمت بدورها امتيازات وتسهيلات لتشجيع هذه الشركات على العودة للملاحة في البحر الأحمر، مؤكداً أن لدى الشركات خططاً محددة للعودة، إلا أن تنفيذها يتوقف على مزيج من الاعتبارات التجارية والسياسية.

وتعد "قناة السويس" إحدى أهم الممرات الملاحية في طرق التجارة العالمية، ويمر من خلالها نحو 20% من سفن الحاويات وحوالي 12% من تجارة العالم قبل هجمات الحوثيين.